التحكم في الدوافع
د. جمال ماضي ابو العزائم
مستشار الطب النفسى
يتحدث علماء النفس المحدثون عن الدوافع والغرائز ويفردون لها أبحاثا ، نجد القرآن يميط اللثام عنها منذ مئات السنين ويطلق عليها الشهوات وان هذه الشهوات متعددة فيقول
زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب)(14) سورة آل عمران )... فيتحدث عن شهوة الجنس وشهوة حب الأبناء وشهوة التملك وشهوة التفاخر ، ونجده في آيه أخرى يتحدث عنها ويقول لأبى البشرية : (فقلنا يا آدم ان هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقي (117) ان لك ألا تجوع فيها ولا تعرى (118) وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحي (119) سورة طه 119 ، ونجده في هذه الآيات يعدد بعض الدوافع ويلقي الأضواء على أهمها وهي شهوة الأكل " ان لك ألا تجوع" وشهوة الوقاية ولبس الملبوسات "ولاتعرى" وشهوة شرب الماء "وانك لا تظمأ فيها " وشهوة السكن والمقام في مكان آمن "ولا تضحى " وبين القرآن ان هذه الشهوات في متاع الحياة الدنيا فيقول: ( ذلك متاع الحياة الدنيا) سورة عمران 14 ، وينير الطريق أمام الانسان ويوضح له أن هذه الشهوات بدائية في حياته ومؤقتة وان الانسان والحيوان متساويان في هذه الدوافع ويقول سبحانه : ( ولكنه أخلد الى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث ) (176) سورة الأعراف (176)
ويطالب الانسان بالتفكير والتدبر في هذه الشهوات وكبح جماحها وعدم الميل كل الميل مع الإسراف فيها ويقول : ( ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما)(27) سورة النساء وعندما يضرب المثل بهؤلاء الذين يميلون الى الميل العظيم مع الشهوة يبين ان هذا هلاك للإنسان واستنفاذ لطاقته وصحته فيقول سبحانه : ( ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون(176) ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون) (177) سورة الأعراف 176-177)
ويعد من كبح جماع شهوته وروضها الى مدارج التوسط والعمل بها مع الجماعة في إطار القانون والدين يعده بجنات ورضوان فيقول سبحانه : (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى (4.) فان الجنة هي المأوى) 41 (سورة النازعات 4.-41)
ويدفع القرآن بالمؤمن في طريق الاعتدال مع الشهوات والاستبصار مع ضروريات حياته الدنيا والآخرة ويضع لها العلاج عن طريق الصبر .( وما يلقاها ألا الذين صبروا وما يلقاها ألا ذو حظ عظيم ) (فصلت 35) . وينبه ان طاقة الصبر من عزم الأمور: (واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور) (سورة لقمان 17) ،، ويعد الصابرين بالفوز: ( أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) سورة القصص 54) . ويعدهم بمزيد من درجات الثواب : ( ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) (96 سورة النحل) .. وعندما تقوى طاقة الصبر يصبح المؤمن الصابر بدرجة عشرة من غير الصابرين فيقول سبحانه
ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ) سورة الأنفال (65) ... ويتحدث القرآن عن قيمة الصبر ، فيقول : ان الصابر الضعيف تقوي طاقته حتى يصبح في أول مراحل الصبر يتمتع بطاقة أثنين من غير الصابرين فيقول : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ان يكن منكم مائه صابرة يغلبوا مائتين) (سورة الأنفال 66) .
وبفحص هذه الظاهرة تجد الحق عز وجل ركب طاقات أعضاء الانسان جميعا على أن يقوم جزء يسير منها بالعمل في إبان حياة الانسان الطبيعية وادخر باقي الطاقات والأجهزة وذلك حتى يقوم بها المؤمن الصابر في الوقت المناسب فالعضلات جميعا تعمل ببعض طاقاتها وعند الاستثارة تعمل بكل طاقاتها فنراها تقوي عشرة أمثال طاقاتها الأولى ، وكذا طاقات الجهاز العصبي تعمل عملها الطبيعي بعشر طاقاتها وحتى خلايا الكلية والكبد تعمل بعشر طاقاتها وعند الطوارئ تراها وقد زاد إنتاجها الى عشرة أمثلها واستبصار المؤمن لهذه الحقيقة يعطيه الأمان والسكينة ونراه عند الطوارئ النفسية فرحا مستبشرا وبصبره تزداد طاقة إنتاجه والنتيجة : ( ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون )(65 سورة الأنفال ).